رويَّ عن حاتم الأصـم تلمـيذ شـقيق البلـخي " رضي الله عنهما "
أنه قال له شـقيق : منـذ كـم صحبتني ؟ قال
حـاتم : منـذ ثلاث وثلاثين سـنة , قال فما تعلمت منى في هذه المدة ؟ قال :
ثماني مسـائل , قال شـقيق : إنّا للّـه وإنّا إليه راجـعون , ذهـب عمـري معك ولـم
تتعلم إلا ثماني مسـائل ؟! قال : يـا أسـتاذ
لـم أتعلـم إلا غـيرها وإني لا أحـب أن أكـذب , فقال : هـات هــذه الثماني مسـائل حتى
أسـمعها
قـال حـاتم : -
الأولى :- نظـرت إلى الخلق فرأيت
كل واحـدٍ يحـب محبوباً فهو مـع محبوبه إلى القـبر, فإذا وصـل إلى القـبر فارقه فجعلت
الحسـنات هي محـبوبى , فإذا دخلت القـبر دخـل محـبوبي معـي ... قـال : أحســنت يا حاتم
, هات الثانية
قال : نظرت في قول الله عز وجل ( وأمـا مـن خـاف مقـام
ربـه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي الـمـأوى ) فعلمـت أن قـولــه سـبحانه
وتعالـى : هـو الحـق فأجهدت نفـسـي فـي دفـع الهوى حـتى اســـتقرت على طـاعـة اللـه
تعالـى.
قال : هات الثـالثة :- قال : إني نظرت إلى هذا الخلق
فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه, ثم نظرت إلى قول الله عز وجل ( ما عندكم ينفذ وما
عند اللـه باق ) فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الله تعالى ليبقى
عنده محفوظاً.
قال : هات الرابـعة :- قال : إني نظرت إلى هـذا الخلق
وهـم يطعـن بعضهم فـي بعض ويلعـن بعضهم بعضاً وأصـل هذا كله الحسـد , ثم نظرت إلى قول
الله عـز وجـل ( نحـن قسـمنا بينهم معيشـتهم فـي الحياة الدنيـا ) فتركت الحسد واجتنبت الخلق
وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عنى.
قال : هات الخــامسة :- قال : إني نظرت إلى هذا الخلق
فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب , فنظرت فيها فإذا هي
لا شيء ثم نظرت إلى قول اللـه تعالى ( إن أكرمكم عند اللـه
أتقاكم ) فعملت في التقـوى حتى أكـون عند اللـه كريماً.
قال : هات السـادسة :- قال : نظـرت إلى هـذا الخلق يبغى
بعضهم عـلى بعض ويقـاتل بعضهم بعضاً فرجعت إلى قول اللـه عـز وجـل ( إن الشـيطان لكم عدوٌ
فاتخذوه عـدواً ) فعاديته وحده واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد
عليه أنه عدو لي فتركت عداوة الخلق غيره.
قال : هات السـابعة :- قال : نظـرت إلى هـذا الخلق فرأيت
في كـل واحد منهم هـذه الأستغفر اللهرة فيذل فيها نفسه ويدخل فيما لا يحل له , ثم نظرت إلى قوله
تعالى (
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) فعلمت إني واحد من هذه
الدواب التي على الله رزقها , فاشـتغلت بما للـه تعالى عليَّ وتركت مالي عنده.
قال : هات الثــامـنة :- قال
: نظـرت إلـى هـذا الخـلق
فرأيتـهم كلهم مـتوكـلين علـى مـخـلـوق , هـذا عـلى ضـيعـته , وهـذا عـلى تجـارته ,
وهـذا عـلى صناعته , وهذا على صحة بدنه وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله , فرجعت إلى
قول الله تعالى ( ومن يتوكل على اللـه فهو حسـبه ) فتوكلت على اللـه عـز وجـل
فهو حسـبي ...
قال شـقـيق : يا حـاتم : وفقـك اللـه تعالى فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل
والزبور والفرقان العظـيم فـوجـدت جميع أنواع الخـير وهى تدور على هـذه الثـمان مسـائل
فـمـن اسـتعملها فـقـد اسـتعمل الكتب الأربعة ....